مستقبل المدن بعد كورونا

منذ آلاف السنين وحتّى اليوم، كان انتشار الأوبئةوالفيروسات سبباً مركزيّاً في تغيير شكل الحيّز الذي نعيشفيه، في تغيير جغرافيا تواجدنا، وفي رسم المدن التينعرفها بصورتها اليوم. والعكس صحيح كذلك، مع كلّ ظهورٍجديد لأيّ فيروس، يكون للأمكنة ولأسلوب الحياة فيها تأثيرٌأساسيٌّ على انتشاره وعلى نتائجه.

يصف الأنثروبولوجيّ مارك ناثان كوهين سكّان المدنالأوروبيّة بين القرنين الرابع عشر والثامن عشر بأنّهم“الأكثر عرضةً للإصابة بالأمراض والأقصر عمراً فيالتاريخ” كذلك كانت المدن الصناعيّة في بدايات القرنالتاسع عشر وحتّى القرن العشرين معرضةً للكثير منالأوبئة والأمراض؛ الكوليرا في نيويورك (1832) ولندن(1853)، والإنفلونزا الإسبانيّة في نيويورك والمكسيك(1918)، وأمراض كثيرة أخرى كالحصبة، والجدري،والسعال الديكي، والسلّ وغيرها. في العام 1900 مثلاً،كان معدّل عمر سكّان المدن أقلّ بـ 10 سنوات من سكّانالريف في الولايات المتّحدة الأميركيّة.

عند تخطيط المدن، يعتمد المصممون في الغالب على أفكارنظرّية لما يجب أن تكون عليه المدينة المثالية ثم يقومون بعدذلك بعرض رسومات تخيّليّة بديعة أمام الناس الذين بدورهميتأثرون بجمالية ما يشاهدونه على الورق أو في الشاشاتلأنهم دائماً مأخوذون بما هو جديد وعصري في التصميمولا زالت غالبية دولنا العربية تعتمد نفس الرؤية بالرغم منفشلها الذريع للاستدامة، وسبب ذلك يعود إلى عائدهاالمادي والاستثماري للتجّار ورجال الدولة في تلك البلدان.

استعير هنا ما قالته جاين جاكوبز Jane Jacobs فيكتابها الشهير “موت وحياة المدن الأمريكية الكبرى”:” تخطيط المدن يجب أن يستند على الناس الذين يعيشونفيها لا على النظريات”. فالناس هم روح كل مدينة، وتجاهلأسلوب حياتهم والطريقة الاجتماعية التي يعيشون بها أثناءالتخطيط يجعل منها مدناً كئيبة حتى لو بدت جميلةوعصرّية وواعدة.

السؤال الأن هل ينعكس ما نشهده الأن من فراغ شوارعالمدن حول العالم بسبب وباء “كوفيد-19″ في سيناريو لمتشهد البشريّةُ مثله من قبل في التأثير على أساليب تصاميم المدنٌ في عالم مرتبط بشبكةً نقل جاهزة لانتقالسريع للفيروسات وسيعود الضجيج إلى شوارع المدن كماكان، لكنّ هذا الوباء حتما سيعيدُ تشكيلَ سياساتٍ السكنوالتنقل والصحة العامة ومحاربة التلوُّث في المدن.‏